التخطي إلى المحتوى





السبت 22/مارس/2025 – 04:24 م

نحن، رؤساء 42 بلدية، السلطات المحلية، المدن، المجالس الإقليمية والمجالس المحلية، الموقعون أدناه، ندعو رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، إلى الإعلان فورًا بأن حكومته ستحترم قرار المحكمة العليا”، بهذه الكلمات، بدأ البيان الذي أصدره رؤساء 42 بلدية ومجلسًا محليًا في إسرائيل، في خطوة غير مسبوقة عكست حالة الغضب العارم تجاه قرار الحكومة إقالة رئيس جهاز الشاباك، رونين بار.

البيان، الذي حمل توقيع شخصيات بارزة مثل رون حولداي، رئيس بلدية تل أبيب-يافا، ويونا ياهف، رئيس بلدية حيفا، جاء كتعبير مباشر عن الانحياز إلى سلطة القضاء في مواجهة السلطة التنفيذية، في أزمة تهدد بتفجير النظام السياسي الإسرائيلي من الداخل.

إقالة رئيس جهاز الشاباك، التي قررتها حكومة بنيامين نتنياهو ليلة الخميس الماضي، لم تكن مجرد خطوة إدارية عادية. بار، الذي تولى رئاسة الشاباك في 2021، كان قد دخل في مسار تصادمي مع الحكومة في أعقاب كارثة السابع من أكتوبر، حين نفذت حركة حماس هجومًا واسعًا داخل إسرائيل.

الشاباك، بقيادة بار، لم يتردد في تحميل المستوى السياسي مسئولية الفشل الاستخباراتي، وهو ما أثار غضب مكتب رئيس الوزراء. ومع تصاعد التوتر، كانت إقالة بار خطوة متوقعة لكنها صدمت الأوساط السياسية والأمنية.

رد الفعل القضائي جاء سريعًا. خمس التماسات قُدمت إلى المحكمة العليا، من قبل أحزاب المعارضة ومنظمات مدنية، تطالب بتجميد قرار الإقالة. القاضية جيلا كنفي-شتاينيتس أصدرت أمرًا مؤقتًا بتجميد القرار، مشيرة إلى أن المحكمة تحتاج لمزيد من الوقت للنظر في الأسس القانونية للقرار، على أن يتم البت في القضية بحلول الثامن من أبريل.

قرار المحكمة وضع نتنياهو في موقف معقد، إذ بات غير قادر على تعيين بديل لبار أو حتى إجراء مقابلات مع مرشحين للمنصب، وفقًا لما أكدته المستشارة القضائية للحكومة، غالي بهراف-ميئرا.

لكن البيان الصادر عن رؤساء البلديات هو ما منح الأزمة بعدًا شعبيًا أوسع. البيان، الذي حمل توقيع أسماء تمثل أطيافًا سياسية مختلفة، وضع الحكومة في مواجهة مباشرة مع الشارع. عندما يوقع رؤساء بلديات تل أبيب، حيفا، هرتسليا، ورهط – وهي مدن ذات خلفيات سياسية واجتماعية متباينة – على بيان موحد، فذلك يعني أن الأزمة تجاوزت حدود السياسة لتتحول إلى صراع على هوية الدولة.

بنيامين نتنياهو، الذي بدا مرتبكًا إزاء سرعة تطور الأحداث، حاول احتواء الموقف عبر منصة إكس. كتب قائلًا: إسرائيل دولة قانون، والحكومة هي التي تقرر من سيكون رئيس الشاباك. لن تكون هناك حرب أهلية. لكن تصريحاته لم تفلح في تهدئة الأجواء.
وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، صعّد الموقف حين هاجم المحكمة العليا مباشرة، قائلًا إن قضاة المحكمة لن يديروا الحرب، في إشارة إلى أن تعيين رئيس الشاباك هو شأن حكومي خالص. أما وزير الاتصالات، شلومو كراعي، فقد هاجم القاضية كنفي-شتاينيتس مباشرة، قائلًا: أمركِ القضائي باطل. الشعب هو السيّد.

على الجانب الآخر، حاولت بعض الشخصيات الحكومية تهدئة الموقف. وزير الداخلية، موشيه أربيل، أعلن أن حكومة إسرائيل برئاسة بنيامين نتنياهو ستحترم قرارات المحكمة، في موقف يعكس الانقسام الحاد داخل الائتلاف الحاكم. حزب شاس، الذي ينتمي إليه أربيل، أصدر بيانًا رسميًا أكد فيه دعم قرار الإقالة، لكنه أشار في الوقت ذاته إلى احترام قرارات المحكمة.

في الأوساط الأمنية، بدا أن قرار الإقالة أحدث صدمة. مصادر أمنية تحدثت عن استياء واسع داخل الشاباك، إذ رأى العديد من المسؤولين أن بار يُدفع ثمنًا لمواقفه المستقلة بشأن إخفاقات الحكومة. بار نفسه التزم الصمت، لكن التسريبات من داخل الجهاز أشارت إلى حالة من الغليان الداخلي.

المعارضة من جهتها، لم تفوّت الفرصة لتوجيه ضربات مباشرة لنتنياهو. يائير لابيد، زعيم المعارضة، وصف قرار الإقالة بأنه انقلاب على القانون، فيما قال بيني جانتس إن نتنياهو يحاول حماية نفسه من المساءلة السياسية عبر التخلص من رأس الشاباك.

لكن الموقف الأكثر حساسية جاء من خلفية الأزمة نفسها. إقالة بار تزامنت مع استمرار تحقيقات الشاباك في قضية تمويل شخصيات مقربة من نتنياهو من قبل جهات قطرية. المعارضة ترى أن الإقالة جاءت في محاولة لعرقلة التحقيق، فيما ترفض الحكومة هذه المزاعم، مؤكدة أن القرار مرتبط بـ أزمة الثقة بين بار ونتنياهو.

المحكمة العليا تجد نفسها الآن أمام اختبار سياسي وقانوني معقد. إذا أيدت قرار الإقالة، فسيكون ذلك انتصارًا سياسيًا واضحًا لنتنياهو. أما إذا أبطلت القرار، فستكون تلك صفعة قوية للحكومة، قد تدفع باتجاه أزمة دستورية حادة.

لكن بعيدًا عن الأروقة القضائية والسياسية، يبقى البيان الصادر عن رؤساء البلديات هو المؤشر الأكثر خطورة. عندما يقف 42 رئيس بلدية ومجلس محلي خلف المحكمة العليا، فهم لا يدافعون فقط عن رئيس الشاباك، بل يدافعون عن سلطة القانون نفسها. هذا يعني أن الأزمة لم تعد محصورة في أروقة السياسة، بل انتقلت إلى الشارع، حيث باتت الأسئلة حول هوية الدولة – دولة القانون أم دولة الحكومة – هي الجوهر الحقيقي للمواجهة.

في الأيام المقبلة، ستتجه الأنظار إلى المحكمة العليا. لكن السؤال الأهم هو: هل سيستطيع نتنياهو الصمود أمام هذا التحالف غير المتوقع بين القضاء، المعارضة، والشارع؟ الإجابة على هذا السؤال قد تحدد مستقبل النظام السياسي في إسرائيل بأكمله.


مصدر الخبر : https://www.cairo24.com/2182543

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *